بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: ''فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ''، وقال عزّ وجلّ: ''يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً''، وقال: ''وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً''، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ''ألاَ أنبِّئُكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخيرٌ لكم مِن إنفاق الذهب والورق وخيرٌ لكُم من أن تلقوا عدوكم فتضرِبُوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟'' قالوا: بلى، قال: ''ذِكْر الله تعالى''.
من مَكرُمات الذِّكر أنّ الله سبحانه وتعالى يُظهر فضل عبيده الذاكرين ويُبيّن مكانتهم العظيمة لملائكته الكرام، روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج على حلقةٍ من أصحابه، فقال: ''ما أجلسكم؟'' قالوا: جلسنا نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنَّ به علينا. قال: ''آلله ما أجلسكم إلاّ ذاك؟'' قالوا: والله ما أجلسنا إلاّ ذاك، قال: ''أما إنّي لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنّه أتاني جبريل عليه السّلام، فأخبرني أنّ الله عزّ وجلّ يباهي بكم الملائكة'' رواه مسلم.
وأصحاب مجالس الذِّكر اختصّهم الله سبحانه وتعالى بفضائل أربعة: تنزّل الطمأنينة وغشيان الرّحم، وإحاطة الملائكة بهم، وذِكْرِهم في الملأ الأعلى، وهذه الفضائل مذكورةٌ في حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: ''لا يقعد قوم يذكرون الله عزّ وجلّ إلاّ حفّتهم الملائكة، وغشيتهم الرّحمة، ونزلت عليهم السّكينة، وذكرهم الله فيمَن عنده'' رواه مسلم.
يجب على المسلم أن يتعلّم، وأن يعمَل بما تيسَّر له من الأذكار والأدعية، فالأذكار يضاعف أجرها في هذا الشّهر المبارك، ويكون الأمل في قبولها أقرب، ويجب عليه أن يستصحبها في بقية السنة، ليكون من الذَّاكرين الله تعالى، وممّن يدعون الله تعالى ويرجون ثوابه ورضوانه ورحمته.
فعلى المسلم أن يجتهد بذِكر الله عزّ وجلّ والدعاء في نهار رمضان بخيري الدنيا والآخرة لما ورد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''ثلاثة لا تُرَد دعوتهم الصّائم حتّى يفطر والإمام العادل والمظلوم''.
وذِكْر الله بعد الصّلوات مشروع، وكذلك عند النوم، وعند الصباح والمساء، وكذلك في سائر الأوقات. وأفضل الذِّكر التّهليل (لا إله إلاّ الله)، التّسبيح، التّحميد، الاستغفار، الحوقلة (لا حول ولا قوّة إلاّ بالله) وما أشبه ذلك.
وشهر رمضان المعظّم موسم من مواسم الأعمال، ولا شكّ أنّ المواسم مظنّة إجابة الدعاء، فإذا دعوت الله تعالى بالمغفرة، وبالرّحمة، وبسؤال الجنّة، والنّجاة من النّار، وبالعصمة من الخطأ، وبتكفير الذنوب، وبرفع الدرجات، وما أشبه ذلك ودعوتَ دعاءً عاماً بنصر الإسلام، وتمكين المسلمين، وما أشبه ذلك، رُجي بذلك أن تستجاب هذه الدعوة من مسلم مخلص، ناصح في قوله وعمله. وقد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالدعاء وبسؤال الجنّة، وبالنّجاة من النّار وذلك لأنّها هي المآل. أمّا الاستغفار فيقول الله تعالى: ''كانوا قليلاً من اللّيل ما يهجعون × وبالأسحار هُم يستغفرون'' الذاريات.1718
جاء في حديث سلمان قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''فأكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربّكم، وخصلتين لا غنى لكم عنهما، أمّا الخصلتان اللّتان ترضون بهما ربّكم: فلا إله إلاّ الله، والاستغفار، وأمّا الخصلتان اللّتان لا غنى لكم عنهما: فتسألون الله الجنّة، وتستعيذون من النّار'' رواه ابن خزيمة.
وأفضل الذِّكر تلاوة القرآن الكريم، قال الله تعالى: ''إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ × لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}، ويقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إقرأوا القرآن فإنّكم تؤجرون عليه، أمَا إنّي لا أقول ألم حرف ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر فتلك ثلاثون''، ويقول صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن سَرَّهُ أن يُحبّ الله ورسوله فليقرأ في المصحف''، وفي الصحيحين أنّ جبريل عليه السّلام كان يلقى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلّ ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن.